إن السحر أمرٌ قد نص الله جل وعلا على ثبوته، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث ومواضع عديدة عنه صلوات الله وسلامه عليه وثبت أيضاً أن للسحر حقيقة وتأثيراً، فمن السحر ما يضر الإنسان في عقله أو في بدنه، أو في مشاعره، وكل هذه أمور ثابتة شرعاً قد نطقت بها النصوص الكثيرة الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
فمن ذلك قوله تعالى: (( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ))[البقرة:102] وقوله تعالى: (( سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ))[الأعراف:116] وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقع له سحر، وأن الله جل وعلا شفاه وأنزل عليه سورتي الفلق والناس، وهذا باب يطول ذكره، والمقصود الإشارة إليه فحسب
غير أنه ومع ثبوت السحر وثبوت تأثيره، لابد أن يوقن المسلم أن كل ما يقع له إنما هو بقدرة الله وبإذن الله، وأن لا شيء من ذلك يخرج عن قدره ومشيئته، كما قال تعالى: ((وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ))[البقرة:102] وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك وأما عن العلامات التي تكون على المسحور، فمن ذلك تغير أحواله بصورةٍ مفاجئة، كأن يكون الرجل مثلاً ودوداً لطيفاً فيتحول بسرعة إلى رجلٍ عنيف سريع الغضب سريع الانفعال، وكأن يكون الرجل مثلاً يحب أهله وإخوته، فيتحول إلى بغضهم وعدم محبة لقائهم ومجالستهم دون سبب يذكر
ومن العلامات: ضيق الصدر، والهم، والكآبة التي تظهر آثارها حتى على الوجه والتصرفات، وذلك أيضاً بدون أسباب مفهومة
ومن العلامات أيضاً رؤية الأحلام المزعجة، مثل رؤية الأفاعي والوحوش المستكرهة، ومثل رؤية الشياطين والجن في الأحلام كذلك، ومثل رؤية الإنسان نفسه يريد أن يسقط من مكان مرتفع أو أنه سقط، أو رؤية نفسه يهيم وهو تائه في وادٍ قحط مجدب لا نبات فيه، أو كله أشجار ذات أشواك، أو رؤية الإنسان نفسه وهو هارب من أعداء يركضون خلفه، ويخشى شرهم ونحو ذلك من الأحلام المزعجة التي يُسميها عامة الناس (الكوابيس) مع تكرار هذه الأحلام
ومن العلامات أيضاً: نفور الإنسان من سماع الأذان، أو سماع الذكر والتلاوة، ويدخل في علامات المسحور حصول تصرفات غير متوقعة منه، كأن يصبح الرجل مطاوعاً زوجته فيما كان يحب ويكره، مع أن هذا ليس من عادته
ومن العلامات أيضاً تشتت الذهن، وحصول تخيل لأمور غير واقعة وموجودة
فهذه إشارة إلى عموم العلامات التي تقع للمسحور، أضيفي إلى ما أشرت إليه من حصول كثير من العوائق في أمور عادية جرت العادة بتيسيرها وحصولها
وأما عن طريق الشفاء من السحر، فهو ممكن بحمد الله تعالى، فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما خطوات العلاج فهي كالآتي
1- الاستعانة بالله والتوكل عليه، فإن السحر مرضٌ من الأمراض وبلاءٌ من الابتلاءات، ولا يرفع ذلك ولا يشفي منه إلا الله تعالى، كما قال جل وعلا على لسان خليله إبراهيم عليه السلام: (( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ))[الشعراء:80] فلابد من تعليق القلب بالله تعالى في حصول الشفاء، ثم اتخاذ الأسباب النافعة في علاج السحر
2- استخدام الرقية الشرعية في علاج المسحور، وقبل أن نذكر طريقة هذه الرقية، نود الإشارة إلى أنه يمكنكم علاج أي شخص وقع له السحر دون حاجة للجوء إلى الشيوخ، أو غيرهم من الناس، بل يمكنكم علاج السحر بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه من الأذكار والرقى، وكذلك بالأدعية المباحة المشروعة، ومن المعلوم أن هذا بحمد الله متوفر وقائم لكم، فإن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: (( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ))[الإسراء:82]، فالقرآن شفاء للأرواح وشفاء للأبدان أيضاً وأما الرقية، فمن أحسنها أن تقرئي في إناءٍ من ماء هذه الآيات الكريمات: (( فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الأعراف:118-121] وقوله تعالى: (( قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ))[يونس:81-82 وقوله: (( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ))[طه:69] وكذلك سورتي الفلق، والناس، وآية الكرسي، وآخر آيتين من سورة البقرة، وسورة الإخلاص وسورة الفاتحة، وقوله تعالى: (( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ))[البقرة:102] إلى قوله: (( لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ))[البقرة:103] فهذه رقية نافعة جداً ومجربة إن شاء الله تعالى، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رقى وارتقى، وأنه قال: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) وطريقة القراءة أن تقرئي الآيات وتنفثي بريقك في الماء بعد قراءتها، ثم بعد ذلك يصب هذا الماء على رأس المسحور ويشرب منه، ويغتسل منه أيضاً، فإذا حصل الشفاء فهو المطلوب والحمد لله، وإلا فحاولي تكرار هذه الرقية كلما استطعت فعلها
ومن أسباب إبطال السحر: البحث عن المكان الذي وضع فيه السحر وخُبّئ فيه، حتى يتم إتلافه فيحصل بذلك الشفاء الفوري والعاجل بإذن الله تعالى.